يخادع اللبنانيون أنفسهم قبل الآخرين،بأنهم يمارسون الديمقراطية المطلقة ،ولا يعترفون بممارسة الديمقراطية الطائفية،المسماة رمزيا بالتوافقية،كأساس للنظام السياسي،الذي يدير البلد ومؤسساته،من القرار السياسي إلى الإنمائي إلى الإقتصادي،فالديمقراطية تعتمد على حكم الأكثرية وإنصياع المعارضة لحكم الأغلبية،و ومحاولة تصويب مسارها بالمعارضة البرلمانية خاصة، والشعبية عموما،والديمقراطية تعتمد أساسا على الرقم الذي يستولد نسبة من المجموع العام للأراء،فإذا تم إلغاء الرقم يعني جدليا إلغاء الديمقراطية بمعناها السياسي والإنتخابي.
وهنا نطرح السؤال هل من مصلحة التعايش والوحدة الوطنية اللبنانية، إعتماد الأرقام أم التوافق(المصطلح الجميل للطائفية السياسية)؟.
ولكي يستيقظ البعض ممن يرون مصلحتهم إعتماد حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية بناء للحظة سياسية مؤقتة،كانت الأكثرية فيها تنسجم مع الخطاب السياسي لهؤلاء وخاصة البطريرك صفير،وحرصا على الوحدة الوطنية وعلى الوجود المسيحي خاصة لا بد من تذكير البعض بالأرقام التي يعمل الجميع على إخفائها أو يمارسون عملية التضليل المكشوفة،فكيف يعقل أن يكون عدد الناخبين في لبنان حوالي 3.326.000 ناخب في العام 2010، وعدد سكان لبنان لا يتجاوز الأربعة ملايين نسمة،وكأن كل الأحياء في لبنان من عمر خمس سنوات ومافوق، يحق لهم الإنتخاب، فإذا احتسبنا أن مجرد تخفيض سن الإقتراع ثلاث سنوات سيزيد عدد الناخبين حوالي ثلاثماية ألف ناخب أي بمعدل مئةالف للسنةالواحدة، أو أن يعتمد الأسلوب الإحصائي العلمي بأن مقابل كل ناخب هناك 1.8 أو 2.2 من السكان وفق الطوائف والمهنة، أي أن عدد سكان لبنان الآن يتراوح بين 5.900.000 و 7.317.000 نسمة،أي بمعدل وسطي حوالي ستة ملايين ونصف المليون نسمة، و إذا كان نمو المسيحيين منذ العام 1932 حتى عام 2005 كان 150% ومعدل النمو الإسلامي حوالي 630% أي بزيادة أربعة أضعاف بالتناسب بين الفريقين ، غير مؤثرات الهجرة ، حيث ان المهاجرين المسيحيين نادرا مايعودون ، بينما المهاجرون المسلمون يعودون بنسبة اكبر ،ووفق بعض التقديرات فإن نسبة المسيحيين في العام 2016 ستكون 25% من السكان وعام 2060 ستكون 17%،فهل تكون الحماية للمسيحيين على أساس نظرية حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية... أم المناصفة بين المسلمين والمسيحيين...؟!
فمن يقف ضد الديمقراطية التوافقية،نتيجة الوهم بفعالية الرياح الغربية والأميركية الآن،والتي تقنعه أن مصلحته في هذا الشعار ،الذي تنذر وقائعه، في حال اعتماده، بمستقبل مشؤوم للوجودد المسيحي في لبنان،وهذا ما تسعى إليه الصهيونية،بأقنعتها المتعددة،من محافظين جدد في أميركا أو جمعيات كنسية، او قوى سياسية ،لتعمل على تهجير المسيحيين كما تعمل في فلسطين بعد الإحتلال الإسرائيلي،وكما حصل في العراق بعد الإحتلال الأميركي،فإذا ما خسر المسيحيون ضمانة الـ 6و6 مكرر،على أساس المناصفة،فماذا يبقى لهم من حوافز لحماية وجودهم في لبنان.؟!
إن موجبات الوحدة الوطنية،تتمثل في تجاوز الأرقام العددية،ولو أن في ذلك خسارة ظاهرية للمسلمين،لكنهاانتصار لرسالة التعايش وحوار الأديان والتسامح،وإنتصارا لفكرة المجتمع المتنوع دينيا وثقفافيا والموحد وطنيا وكيانيا،مما يفشل المشروع العنصري الصهيوني في فلسطين من خلال يهودية الدولة أو الكيان،ويفشل أيضا مشروع التجزئة والتفتيت،الذي تسعى إليه الإدارة الأميركية بعنوان الشرق الأوسط الجديد.
الأرقام في لبنان ،هي أداة للهو السياسي، وليست ركيزة للنظام السياسي في لبنان،ويمكن أن تصلح لتبيان الموقف السياسي لكل طائفة، ولكنها لا تصلح لبيان الموقف السياسي العام في لبنان،خاصة وأنه يعتمد على نظام ( الفيتو الطائفي) وبأسماء مختلفة ومموهة ،تطفو على السطح،إما بمقاطعة الإنتخابات،أو بمقاطعة الحكومة او مقاطعة المجلس النيابي أو رئاسة الجمهورية.وعلى اللبنانيين ان يتفقوا ويعملوا، لكي يبقى لبنان بلدا واحدا ،وشعيا واحدا، ودولة واحدة ،وهذا هو الرقم الصعب الذي يحصن اللبنانيين جميعا ولايلغي احد.
د. نسيب حطيط